خطيئتي الأولى

CF1F13AD-2DB1-4659-84C0-0C648F8B861B

قبل أن أدخل في عالم الكبار، وفي عمر مبكر قابلتُ المعضلة والجريمة التي لن يسامحني عليها القانون، تحت أنظمة وقوانين العائلة الصارمة، فادي الصبي الذي يصغرني بثلاثة أعوام، لقد كانت لديه ابتسامة مدهشة قادرة على أن تغمر مَنْ أمامه بالسعادة، لقد كان فادي وحيد عائلته المدلل، والذي كانت تربيته السليمة في وسط عائلة متفهمة خير دليل على أن الشدّة ليست دائمًا الخيار الصحيح للتربية، كنا نعيش في عالم لا ينتمي للواقع؛ حيث العوائل كانت متفاوتة ومختلفة من حيث المستوى الماديّ والوسط الاجتماعيّ الذي نعيش فيه، كنت أقابل “فادي” بعد خروجي من المدرسة، كنا ضدَّيْن متناقضين في الاهتمامات وطريقة العيش وارتداء الثياب، ولكن بالرغم من ذلك فقد كان فادي يعيش تحت وطأة أحكامي، كان لا يملُّ الحديث واللعب معي؛ حتى ظننتُ أنني قد أتحول يومًا لكائن آخر مجهول الهوية، اليوم الذي قابلتُ فيه فادي للمرة الأخيرة كان يومًا غريبًا، استيقظتُ وأنا أشعر بآلام في رأسي، لقد كانت هذه الإشارة الأولى التي شعرتُ فيها أن ما سيحدث لم يكن من قبل على الإطلاق!

تجاهلتُ الألم والكسل الذي تملك سائر جسدي، ورحت أرتدي ثياب المدرسة؛ استعدادًا لبدء يوم جديد، ولصفحة مختلفة ستقلب حياتي رأسًا على عقب، أكملتُ يومي الدراسي على ما يُرام، غير أن ذلك كان مقدمة لما سيأتي، بل كان الهدوء الذي يسبق العاصفة كما يُقال.

قابلتُ فادي بعد خروجي من بوابة المدرسة، وهو واقفٌ كعادته يترقبني بعينَيْن لامعتَيْن، كنتُ أظن أنه كالعادة جاء ليجبرني على تجربة لعبة جديدة، أو مشاركتي حكاياته مع رفاقه التي لا تخلو من الكذب، مشيتُ خطواتي حتى توقفتُ عنده؛ وجدته متسمّرًا، وكأنه لم يكن فادي الذي اعتدته، فادي الذي لم أخجل من إظهار نفسي أمامه بشكل واضح، لقد نظر إليّ فادي نظرة تفحَّصَني من خلالها حتى ظننتُ أنني لبستُ ثياب المدرسة بالخطأ، عرفتُ بعدها أنه لم يعد ذاك الصبي الذي أخجل من تصرفاته، قطع نظرته قائلًا: مرحبًا سلمى؛ رددت عليه: أهلًا فادي، سيكون اليوم دوري في اختيار لعبة نلعبها سويًّا، لا يهمني إن كنت لا تحبها، فسأخبرك عنها، هذا ما يهم، رد بحزم: لم آتِ اليوم لنتبادل الألعاب، لديَّ الأهم الذي أريد أن أخبرك به، ضربتُ كتف فادي ضربة جمعت بها استغرابي، محاولةً كسر هذا الجو المشحون الذي لم أعهده، وابتدرته بالقول: أنت لا تملّ من قول الهراء؛ لقد سئمتُ من مزاحك، قلت ذلك وأنا أضحك مغمضة عيني باستصغار، ولكن فادي شدّ على ذراعي قائلًا: اسمعي يا سلمى، لقد جئت اليوم ولم أكن فادي الذي تعرفينه بالأمس، شيءٌ ما تكون بداخلي، أشعر بقوة جذب غير عادية تسحبني نحوك، لم أعد أعرفني بحضرتك يا سلمى، وقفتُ شاخصة بصري أمامه، إنه حلمٌ، نزلت كلماته كالصاعقة عليّ ما إن سمعتها، خرجت الكلمات مني ومن غير وعي، ما الذي تقوله يا فادي؟ أنا لا أفهمك! رد فادي قائلًا: لم تعودي صديقة يا سلمى، بل أكثر، إنني أشعر بقلبي يكاد يخرج من مكانه إذا سمعت اسمك، بادرته قائلة: فادي، أنت صديقي وأخي الذي لم أشترك معه برحم واحد، لقد عوضتني الحياة بك، مال فادي بجسده على الجانب الآخر متململًا، ثم التفت نحوي: أنا أحبك.

لقد تغيرت حياتي هنا يا فادي، بعثرت تلك الكلمة كل الأشياء التي رتبتها حتى أعيش يومًا عاديًّا معك، لكنه لم يكن كذلك على الإطلاق، لقد لبستني الجريمة التي لم أُقدم يومًا عليها، ولم أفكر حتى بها، لقد سحبتني لدوامة تعصف بي حتى أيقظتني يدك التي تمسكت بجسدي الذي كاد أن يتهاوى أرضًا، هززت ذراعي ممسكًا إياه بقوة قائلا: سلمى، ما بك؟ ما الذي أصابك؟ أخبريني، لقد كان إعياءً مفاجئًا زارني تلك اللحظة، ولم أعلم أنه سيكون صديقي الذي سيلازمني طيلة حياتي، تحاملتُ على نفسي، ووقفتُ أمام فادي قائلة: لقد تجاهلتُ نفسي ومشاعري كثيرًا؛ كونها غير مهمة على الإطلاق، لقد كان يخالجني شعور غامر بالسعادة وأنا معك، ولكنني عرفتُ الآن معنى ذلك.

فادي، الحب في عقيدتي ممنوع، سيجعل حبك في قلبي فجوة يأكل الزمن عليها ويشرب، تعرف يا فادي أنني سأخسر نفسي وكل ما أملك إن اخترتك، لكنني عشتُ معك ما يكفي قلبي، وسيجعله مرويًّا دائمًا بحبك، لقد أخطأتك، وأنت جريمة قلبي الأولى!

2 thoughts on “خطيئتي الأولى

  1. mishal.d 26/03/2019 / 1:11 am

    قصة رائعة ، ومختلفة عن حروفكِ السابقة ،،،
    الجميل بها أنني وجدتكِ بين سطورها كـ ملهمه ومبدعة ومبهرة ،، أستمري بالكتابة ولا تتوقفي أبداً ،،

    دمتِ بخير ،،،،

    Liked by 1 person

    • Mashael 26/03/2019 / 1:47 am

      مادامت حروفي تتغنى بمن يقرأ لها سيطول عهدي مع الكتابة بإذن الله، شكرًا لدعمك مشعل
      ليلة طيبة

      Liked by 2 people

Leave a comment

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.